بسم الله الرحمن الرحيم
من أسرار البيان في سورة المدثِّر
قال الله جل جلاله من سورة المدَّثِّر
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ). [المدثر: 26- 31] هذه الآيات الكريمة من سورة المدثِّر. هذه السورة، التي افتتحت بنداء النبي صلى الله عليه وسلم:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[1] ، كما افتتحت بهذا النداء السورة، التي قبلها:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}[1]. وكلاهما نازل على المشهور في قصةٍ واحدةٍ. وتلك بُدِئت بالأمر بقيام الليل:{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً}(2)، وهو عبارة خاصة. وهذه بدئت بالأمر بالإنذار:{قُمْ فَأَنْذِرْ}[2]، وفيه من تكميل الغير ما فيه. وهي مكية بالإجماع، على ما قال ابن عطية. وفي التحرير: قال مقاتل: إلا آية، وهي قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا عدتهم إِلاَّ فِتْنَةً.. الخ }[31]. وظاهر هذه الآية يشعر أنها مكية. وقد اختلفت الروايات في سبب ومناسبة نزول هذه السورة، فهناك روايات تقول: إنها هي أول ما نزل في الرسالة بعد سورة العلق ، ورواية أخرى تقول: إنها نزلت بعد الجهر بالدعوة وإيذاء المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم. وعن الزهري: أول ما نزل من القرآن قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:1]. إلى قوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:5]، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يعلو شواهق الجبال، فأتاه جبريل- عليه السلام- فقال: إنك نبي الله. فرجع إلى خديجة ، وقال: دثِّروني، وصبُّوا عليَّ ماء باردًا. فنزل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر}